الندم شعور
إنسانيٌّ له أسباب عديدة، إما فعلُ ما يستوجب الندم، أو فوات ما يستوجب الندم، والشعور بالندم له مرارةٌ وغُصة لا
ينساها مَن يتجرعها، وأشد أنواع الندم هو ما يكون على التقصير في حق الله تعالى،
وفوات رحمته.
(الندم على الخطأ) يُشبه ألم المرض، وهو مؤذٍ ومزعج،
غيرَ أنّه خُلق لحكمة ربانية، تعود على حياة الإنسان بالنفع والفائدة؛ قال تعالى: ﴿لَاۤ
أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ (١) وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ (٢) ﴾
[القيامة ]
صدق الله العظيم، فالنفس اللوامة التي أقسم الله بها، هي النفس التي يدخل إليها الندم، فألم
المرض يُوقظ صاحبه وينبهه على مرضٍ يحتاج للدواء، والندم على الخطأ يُساعد على
الانتهاء عن الفعل الخطأ، يقول تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا
ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن
تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ
نَـٰدِمِینَ﴾ صدق الله العظيم
[الحجرات ٦] قال أهل
التفسير: أي: فتندموا على إصابتكم إياهم
بالجناية التي تصيبونهم بها.
أولًا: صور الندم في القرآن الكريم:
أ) الندم على الإشراك بالله تعالى:
قال تعالى: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا
أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ
أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف:
42].
ب) الندم على عدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:
27].
ج) الندم على موالاة الكافرين والمنافقين والظالمين:
1- قال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ
يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي
أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة:
52].
د) الندم على اتخاذ الصحبة السيئة:
قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان:
27، 28].
هـ) الندم على فوات الفضل والغنيمة:
قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ
تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ
فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:
73].
و) الندم على التسرع في الحكم على المواقف والأشخاص دون بيِّنة:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات:
6].
ز) الندم على اقتراف الذنوب والمعاصي:
قال تعالى: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ
هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة:
31].
ح) الندم على إقحام النفس في الذنوب التي تستوجب الخزي والعذاب يوم
القيامة:
1- قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا
نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام:
27].
ثانيًا: بعض الأحاديث التي وردت عن الندم في السنة النبوية المطهَّرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والَّذي نفسي بيدِهِ، لا تذهَبُ الدُّنيا
حتَّى يمرَّ الرَّجلُ علَى القبرِ فيتمرَّغُ عليهِ، ويقولُ: يا ليتَني كنتُ مَكانَ
صاحبِ هذا القبرِ، وليسَ بهِ الدِّينُ إلَّا البلاء))؛ (رواه مسلم).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُرسَلُ البكاءُ على أهلِ النارِ، فيَبْكُونَ
حتى تنقطِعَ الدموعُ، ثُمَّ يبكونَ الدَّمَ، حتى يصيرَ في وجوهِهِم كهيئَةِ
الأخدودِ، لو أرسلَتْ فيه السفنُ لجرَتْ))؛ (حسنه الألباني).
تعليقات
إرسال تعليق