الحمد لله الذي وسعتْ رحمتُه كلَّ شيء، وفتَحَ
باب التوبة للمذنبين؛ للرجوع والإنابة إليه، ووعد بالمغفرة عبادَه التائبين، فهو
القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8]. وأشهد ألاَّ إلهَ
إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، هَدَى الله به
الخَلق، وأرشدهم به إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة. وبعد:
اقرا ايضاما هو طالوت وجالوت
اولا :
شروط التوبة الصحيحة هي:
1 - الإقلاع عن الذنب.
2 - الندم على ما فات.
3 - العزم على عدم العودة
إليه.
وإذا كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس ، فتزيد
شرطا رابعا، هو: التحلل من صاحب الحق ، أو إعطاؤه حقه.
التوبة، وما أدراك ما التوبة؟! تلك
الرحمة التي امتنَّ الله بها على عبادِه المذنبين، فلا يقنَط المذنب ولا ييأس من رحمة
الله التي عمَّتِ السمواتِ والأرض، فقد فَتح باب َالتوبة أمامَ كلِّ عاصٍ ومذنب،
فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53].
ثانيا :
الندم شرط رئيسي أو هو ركن التوبة الأعظم ، فعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ : كَانَ أَبِي عِنْدَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ"
رواه أحمد (4012) وصححه الألباني
ثالثا :
وإنما يعين العبد على تحقق الندم في قلبه ، أمور :
أولها : العلم بالله بعد الجهل به .
قال تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ
يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) النساء/17-18
ثانيها : ذكر الله بعد الغفلة عنه :
قال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران/133-136
ثالثها : الخوف من مكر الله بعد الأمن منه :
قال تعالى : ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ
وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ * إِنَّ
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى
رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا
سَابِقُونَ ) المؤمنون /55-61
رابعها : رجاء رحمة الله بعد القنوط منها :
قال تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا
تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
(55) الزمر/53-55
رابعا :
وأما ثمرات الندم فأربعة :
أولها : دوام تألم وتحسر القلب بالذنب .
ثانيها : تمني عدم العود للذنب ؛ بل إنه يكره معاودة الذنب بعد أن
عافاه الله منه ، كما يكره أن يقذف في النار .
ثالثها : الإقلاع عن الذنب .
ذلك بأن الإصرار قاطع للتوبة ، ودليل على أنها لم تحصل في القلب
على وجه الحقيقة .
رابعها : العزم على عدم العود إلى الذنب :
فإن عاد إليه ، كان ذلك قادحا في كمال التوبة ونفعها ، لا في صحتها
وأصلها .
خامسا :
وثمرات هذا العزم على عدم العود إلى الذنب أربعة :
أولها : سد باب الذنب :
وذلك باجتناب كل صحبة ، أو آلة تؤدي بك إلى معصية الله تعالى .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
ثانيها : سد الذرائع الموصلة للذنب :
وذلك باجتناب الشبهات ، وكل ما يمكن أن يؤدي إلى الوقوع في
المحرمات .
ثالثها : الإتيان بنقيض الذنب :
فتوبة الكاتم تكون ببيان ما أنزل الله ، وتوبة المنافق لا تصح إلا
بإخلاص الدين لله .
رابعها : فتح الذرائع الموصلة للعمل الصالح ، والاستقامة على طاعة
الرب :
قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه /82 .
نسأل الله أن يرزقنا التوبة النصوح ، وأن يمن علينا
بالقبول .
.
تعليقات
إرسال تعليق